التمييز العنصري القائم علي النوع الإجتماعي في وسائل الإعلام

(مريم) من أولئك الذين دخلوا المجال الإعلامي برغبة كانت بالنسبة إليها حلم منذ طفولتها ، حتى بعد حصولها على بكالوريس علوم من كلية الزراعة في جامعة طرابلس سنة 2000، لم يفارق الحلم الطفولي (مريم) بل كبرت هي وحلمها معا ، و لم تفكر يوما في الاستغناء عنه ، أو البحث عن عمل يطابق تخصص شهادتها العلمية العالية.

تزوجت (مريم) من رجل اعلامي وكانت سعيدة بزوجها الذي استمر 7 اعوام انجبت فيها طفلها الوحيد (وسام) وانتهى الزواج بوفاة زوجها إثر أزمة قلبية مفاجئة كما قالت..

صباح اليوم ومع أولى قطرات المطر والأجواء الغائمة ، التقينا معا أنا ومريم في مقهى (سيلفي) وسط العاصمة طرابلس.

بنبرة صوت جمعت بين الفرح بما حققته والحزن على ما تعرضت له من عراقيل و صعوبات في مسيرتها الإعلامية ، بدأت “مريم” الحديث فقالت “كل ما اشتغلته في الاعلام اعتبره دورات تقوية لي سواء على المستوى الوظيفي أو الاجتماعي والنفسي ، و في كل يوم اذكر زوجي وافتخر جدا به لانه كان الداعم الأول والأخير لي في تحقيق حلمي ، فهو من أخذ بيدي وشجعني بمجرد أن اخبرته بحبي للعمل الإعلامي ، و وعدني بأن يحقق لي هذا الحلم و وفى بوعده ودخلت الوسط الإعلامي وتعرفت على أعلاميين وأعلاميات من مختلف الوسائل الإعلامية .

عملت “مريم” في صحيفة الشط عام 1997 وهي جريدة أسبوعية متنوعة خاصة بأخبار ونشاطات طرابلس، وكان عملها متقطعا ومقتصرا على تحرير الاخبار فقط ، ثم انتقلت لجريدة (مال وأعمال) سنة 1999 تصدرعن مجلس أصحاب الاعمال الليبيين تحديدا ، وأجرت عدة استطلاعات وأخبار اقتصادية ، ثم انتقلت الى المواقع الالكترونية سنة2007 واشتغلت من طرابلس مراسلة لموقع ليبيا اليوم، المعارض لسياسة القذافي حينها ويبث من لندن، وأخر محطاتها كانت في وكالة الغيمة ثم قناة الاحرار، وتجرتها مع الأخيرة لمدة سنتين حسب وصف “مريم” لها كانت قاسية .

تقول” اشتغلت بدون عقد رسمي وعلى مدار الأسبوع ، وفي كل الأوقات يتم تكليفي بعمل لاعداد تقريرعن موضوع ما وفي وقت ضيق يجب ان يكون جاهزا من حيث التحرير والمونتاج لقراءته في نشرة الاخبارالمسائية، كنت مجبرة على التنفيذ فلم أكن قادرة على اتخاذ قرار التوقف عن العمل لان الظروف المادية لا تسمح بذلك خاصة ان (وسام) تلميذ مجتهد في الصف السادس ومن الناجحين الأوائل على المدرسة ، وحتى يستمر في هذا المستوى كنت اتحمل التعب وضغوطات العمل ، وبعد سنتين وفي اتصال توقعته لتكليفي بعمل كالمعتاد ، تفاجأت بتبليغي ان إدارة القناة قررت الاستغناء عن خدماتي دون ذكر الأسباب أو مراعاة الظروف أو منحي فرصة البحث عن بديل ، سألت لماذا ؟ ولم جد إجابة الى ان التقيت صدفة بأحد الزملاء فاخبرني أن السبب هو منشوراتي على صفحتي التي لا تطابق توجه القناة ، وانه امامي خيارين أما تبني توجه القناة وارجع للعمل أو البقاء كما انا عليه؟! لم اقتنع بالسبب لان يوجد زملاء منشوراتهم لا تطابق توجه القناة و مازلوا مستمرين في العمل ؟ّ!

و لاني ضد خطاب الكراهية بكل صوره و أشكاله ولا اقبل ان أكون أداة تشارك في التهجير والقتل وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد، اكتفيت بالجلوس في المنزل وحضور النشاطات الثقافية صحبة (وسام) الذي كان سعيدا بممارسة هوايته والتقاط الصور بكاميرا اشتريتها دعما وتشجيعا له .

في بداية تجربتي لم أشعر بأي فرق في التعامل و المقابل المادي و ربما كان وجود زوجي السبب ، و لكن فيما بعد و في كل التجارب المتتالية كنت اشاهد فرق التعامل الواضح بين زملاء المهنة خاصة الرجل ، لم يكن المقابل المادي يمنح حسب الجهد المبذول أو قيمة العمل فمن كانت تربطه علاقات شخصية بالادارة أو بينه وبين المسؤول منفعة متبادلة يتقاضى مكافأة كاملة وحتى التكليفات الميدانية تكون خفيفة ، عكس حال المرأة التي تكلف بعدة مهام و لا يغفر لها أي هفوة مهما كانت بسيطة ،أعود وأقول كل ما يحدث لنا كاعلاميين وما يقع علينا من ظلم سببه عدم وجود تشريعات قانونية صحيحة تنظم العمل الإعلامي في كل جوانبه ، حتى ما يصدر عن وزارة العمل لا أثر ولا تأثير له في الواقع ”

أخر كلمات “مريم” ، نقلناها في اتصال هاتفي مع مديرمكتب الإعلام بوزارة العمل ربيعة عمار وهي أيضا صحفية نشرت لها عدة صحف و وكالات أجنبية تقارير وتحقيقات استقصائية آخرها تقرير عن (البدون في ليبيا) فعلقت بقولها “القانون الليبي ينص على ان الحد الادنى لأجر العامل (رجل كان أو امرأة ) 450 دينار، ولكن لم تلتزم به المؤسسات الإعلامية في ليبيا، وأن كما أن للمؤسسة الحق في تحديد قيمة المكافاة المالية حسب معاييرها التي تراها مناسبة ”
ما عاشته “مريم” من تجارب في عدة وسائل إعلامية مختلفة سواء في المواقع الالكترونية و الراديو والتلفزيون ، لأكثرمن 22 سنة لم يعفها من دخول مرحلة الاختبارات لكفاءتها وقدرتها في العمل الإعلامي ، ولم يشفع لها لتكون على قدم المساواة مع بعض زملائها سواء في كم و نوع التكليفات أو في المقابل المادي ، ربما لان العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة و الصورة النمطية عن المرأة والرجل التي تقول بأن الثاني أفضل وأنسب من الأول ، ربما مازالت هي الأقوى وجودا في مجتمعنا .

هذه القصة من ضمن سلسلة تقارير بعنوان “تقارير من أجل التغيير”
“تم انتاج هذه القصة بدعم من الإتحاد الأوروبي ضمن مشروع ” أصوات من أجل التغير” بالشراكة مع معهد صحافة الحرب و السلام و محتوياته هي مسؤولية شبكة اصوات ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر الإتحاد الأوروبي”
#شبكة_أصوات_للإعلام
#صحيفة_أصوات
www.aswat.ly

إعداد/ ربيعة حباس

اترك ردا

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.