التحليل الإحصائي والإقتصادي لتقرير “آفاق الإقتصاد الليبي” الصادر عن البنك الدولي في أكتوبر 2017

الدكتور محمد أحمد\ خبير اقتصادي

نشرت الصحافة الليبية والعديد من المعلقيين الليبيين ترجمة حرفية و بالمعنى للتقرير الدوري الأخير الذي يصدره البنك الدولي عن آفاق الإقتصاد الليبي. بالتأكيد أن الكثير يعرف أن هذه التقارير الدورية تنشر مرتين في السنة في إطار الإستعداد للإجتماع المشترك للبنك الدولي و صندوق النقد الدولي عادة في العاصمة الأمريكية واشنطن لمناقشة تطورات الإقتصاد العالمي في كل ستة أشهر (أبريل – أكتوبر من كل سنة).

البنك الدولي يعد تقريراً على كل دولة في نظام الامم المتحدة وهو بدون شك ثروة علمية أدبية كبيرة و تسجيل حي للتطورات الإقتصادية عبر “العالم. و المناسبة فإن البنك الدولي يملك مكتبة إلكترونية ضخمة هي “مؤشرات النمو العالمية World Development Indicators WDI وهي موجودة بالمجان على الإنترنت وتحوي المئات من المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية و السكانية المفصلة في سلاسل زمنية لكل دول العالم تبدأ من سنة 1960 و تنتهي حاليا في سنة 2015 و يضاف إليها سنويا. المعلومات و الأرقام عادة تكون مصدرها الدول الأعضاء و يضاف إليها معلومات يصل إليها موظفوا البنك بالبحث والتحليل في حالة عدم وجود المعلومة الأصلية أو تضاربها مع ما يعتقد أنه حقيقة.

المشكلة أنه بمجرد ما أن تنشر هذه التقارير فإن الكثير ينشرونها على أنها تقارير عالية الحرفية “وهي كذلك إلى حد ما” و لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها “وهي بالتأكيد ليست كذلك” و عليهم بسؤال دانيلا.

التقارير يجب أن ينظر إليها في رأيي على أنها ورقة نقاش و لا أظن أن البنك الدولي يزعم بأنه لا يناقش أخطاءه إذا أثبت وجودها.

أنا كمتابع لهذه التقارير أجدها مضحكة أحيانا و أستغرب أن ينجر بعض الإقتصاديين والسياسيين المعروفين بالإحتكام إليها و الإشارة لها في تحليلاتهم بدون أي نقد. كما قلت في منشور سابق فإني شخصيا أتأكد من صحة أرقام المصرف المركزي الليبي مثلا من خلال فحصها Double crossing مقارنة بتقارير قديمة، دعونا هنا نستخدم نفس هذه المنهجية لتحليل الأرقام التي أتى بها البنك الدولي في تقرير 2017 مقارنة بأرقام تقرير 2016 و هي مرفقة في الرسوم.

عموما تعليقي هنا أن البنك الدولي وبصفته مشاركا في وضع الترتيبات المالية للدولة التي حلت محل الميزانية السنوية المعتمدة من السلطة التشريعية، يحاول أن يرسم صورة أن أتباع هذه الترتيبات سيخرج الإقتصاد الليبي من الأزمة بتحقيقه فائضا ماليا يبلغ 13.7% من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2019 كما هو في جدول تقرير 2017، الشيطان هنا في التفاصيل Devil is in details …. لاحظوا معي في جداول المقارنة:

  1. انه وبالرغم من أن نسبة مساهمة الإستهلاك الحكومي في النمو تتزايد سنويا بالسالب بعكس توقعات البنك الدولي من سنة مضت فقط فأن البنك الدولي يتوقع أن تستقر مساهمة الإستهلاك الحكومي في النمو في سنة 2019 بالسالب بنسبة قدرها 10.9 % وهو نفس المستوى الذي يتوقعه البنك لسنة 2018.
  2. أن مساهمة الإستثمار في الأصول الثابتة بالنمو الإقتصادي سيزيد بطريقة تقرب إلى السحر مايقرب من 90% وهو مناف للحقيقة التي نشاهدها على الأرض وحتى من خلال إحصائيات المصرف المركزي
  3. أرقام التضخم فعلا مضحكة و لا أعرف كيف أعلق عليها فمثلا تقدير البنك الدولي للتضخم في 2016 إنخفض من 20% سنويا إلي 3 % سنويا فقط ، هل هو خطأ مطبعي، لا أعتقد حقيقة فالجداول هي مولودة إلكترونيا من نماذج دراسية مدخلة مسبقا في الكمبيوتر ، أما عن استمرار توقع التضخم عند مستوى 3% في 2017 و أقل في 2018 و 2019 أمر يثير الشكوك في تعمد اللعب بالأرقام
  4. مرة أخرى في توازن الميزان الجاري يؤكد النموذج الذي يتبعه البنك الدولي أنه مصاب بالدوار حيث أن أرقام تقرير 2017 تنحرف بشكل كبير جدا عن التقرير الذي صدر قبل سنة فقط إلا أن البنك لا يزال يصر أن الرقم في 2017 سيشهد تحسنا سحريا
  5. المقارنة الأخيرة هي من تقود الأرقام السابقة، فائض في 2019 ، من أين لا أعرف ولكني لا أعتقد أن الأرقام التي تعلوه مبررة له ، يقول عمي جبران يرحمه الله “يصير الزلق في الصيف” تحياتي و تقديري العالي و أسفي على وقتكم

اترك ردا

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.