الهروب من الحياة…!

لا شك بأن أغلب حالات الموت التي نسمع عنها في الآونة الأخيرة في ليبيا تكون قتلا بالرصاص أو نتيجة للتعذيب إذ لم تكن موتا طبيعا…

لكن الغريب هو أن تسمع بحالات انتحار تحدث داخل هذا المجتمع الليبي المحافظ والذي لا يحب حتى الحديث عنها.

نور تبلغ من العمر 15 عاما لم تعرف من هذه الدنيا شيئا، شنقت نفسها في ظروف غامضة، ماتت نور ودفنت معها ذكرياتها وأحلامها، ماتت نور ومات معها السر الذي أجبرها على الموت، وكم من نور ماتت ولازلت تموت بهذه الطريقة.

حادث مماثل

بعد بحث طويل وتواصل مع أقرب الأقارب والجيران توصلنا إلى تفاصيل دقيقة يمكن أن تكون بسببها اختارت نور الرحيل وتنهى رحلة حياة هي بطبيعة الإنسان يعشقها ويعشق الخوض في تفاصيلها.

حيث لم تكن نور هي أول ضحية، فقبلها بحوالي 11 شهر انتحرت ابنة عمتها حنان تبلغ من العمر 18 عاما بذات الطريقة، ولم تكتشف عائلتها والأقارب والجيران تفاصيل الحادث وحاولوا ان يتأقلموا ويعتبروها حادثا عرضي.

فالاسباب كثرت، منهم من يقول بسبب مس جني أو وسوسة شيطان، وآخرون يهمسون ربما تكون حالة اغتصاب او ضغطاً نفسيا او عنفا أسري.

طبيعة المنطقة

الناصرية هي المنطقة التي شهدت تلك حالات الانتحار فيقول احمد وهو قريب نور: “ان البنات هنا يواجهون صعوبة في العيش وصعوبة في تحقيق اهدافهن واحلامهن كباقي الفتيات التي يعيشون في مدن أكثر انفتاحا”.

وتعتبر الناصرية والي تبعد 60 كيلو متر غرب طرابلس، من المناطق التي تعاني نقصا في الخدمات العامة وغياب دور مؤسسات الدولة، إضافة إلى معاناتهم من قطاع الطرق وعصابات الحرابة.

وتواجه الفتيات في المناطق والمدن الريفية صعوبة في تحقيق احلامهن مثل استكمال تعليمهن أو قيادة السيارة أو السفر او ممارسة التجارة و العمل بشكل طبيعي.

مريم من مدينة الزنتان وهي منطقة جبلية وتبعد 136 كيلو مترا من العاصمة طرابلس وقريبة من معبر ذهيبة الحدودي مع تونس ويصل عدد سكانها الى 62 الف نسمة

تقول: “أغلب الفتيات في مدينتي لا يستكملن تعليمهن كما يحبون.

فهم ينهون الثانوية وتصبح الفتاة في نظر عائلتها جاهزة للزواج والتي تنجوا منهم فهي تكمل تعليمها في معهد يحمل تخصصات محدودة وتصبح “عانس” في نظر عائلتها واصدقائها.

رأي القانون

الدكتور طه بعره وكيل النائب العام يوضح وجهة نظر القانون، حيث يقول بأن الانتحار قانونياً لا يمكن وصفه بالجريمة، لعدم وجود نص في قانون العقوبات الليبي والقوانين المكملة له، وهذا مستساغ عقلاً ومنطقا،ً بالنظر إلى أن الفاعل في هذه الواقعة هو الجاني على نفسه، وانتقاله إلى رحاب الله يستتبع عدم القدرة عليه والجدوى من ردعه.

وأشار بعره الى أن هذه الواقعة قد تتحول لجريمة في حالتين إثنتين، أولهما أوقفت أو خاب تنفيذها، وهنا يعاقب الفاعل بعقوبة الشروع في ارتكاب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والتي تصل مدتها إلى السجن المؤبد، بالنظر إلى أن عقوبة الجريمة الكاملة هي الإعدام، أما الحالة الثانية فهي الإشتراك في تنفيذها سواء كان في صورة التحريض أو المساعدة أو الاتفاق مع الجاني، وهنا يعاقب بعقوبة الجريمة الأصلية.

حكم الاسلام

محمود بن موسى المستشار الديني بالهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية حول حكم الانتحار في الدين الاسلامي يقول “يعد الانتحار من كبائر الذنوب والمحرمات القطعية في شريعة الإسلام.

ويضيف بن موسى ان الاسباب كثيرة منها حالات الأمراض النفسية والاكتئاب التي تقع لكثير من الناس بسبب مشكلات الحياة والضغوطات النفسية، والسبب الثاني هو حالات المس والسحر مما يتسبب في السيطرة على الإنسان والتأثير فيه وفي تصرفاته حتى يقوده خادم السحر وهو الشيطان إلى قتل نفسه.

معالجة

و أرجعت الباحثة في علم النفس الدكتورة امال الهنقاري أسباب ظاهرة الانتحار إلى مشاكل اجتماعية وضغوط نفسية وأحيانا مرضية، مشيرة إلى أن حالات الأطفال تكون تقليداً للكبار.

وحثت الهنقاري على ضرورة اخضاع الحالات التي حاولت الانتحار للدراسة والبحث للتعرف على أسباب اللجوء للانتحار، للتمكن من الحد منها، وتفسيرها وفقا للمعطيات التي حدثت، موضحة أنه لا يمكن إعطاء رأي صحيح إلا بالدراسة التحليلية لكل حالة على حدى، بحسب قولها.

وتحصلت عائلة “نور” في اليوم الثاني من الحادث على رسالة مكتوبة بخط يدها تركتها ابنتهم في خزانة ملابسها، لم تكتب السبب الذي دعاها إلى الانتحار او بماذا كانت تحلم او تفكر، فقط كتبت ” أحبكِ يا أمي ” حتى حبها لأمها لم يمنعها من الرحيل ربما سبب الانتحار كان أكبر من عائلتها وأكبر من تفكيرها حتى أكبر من الظروف التي تعيشها، فلم تستطع مقاومته فاستسلمت له وكان الوقت متأخر جداً.

اترك ردا

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.