الغاز: كمورد للطاقة، أنواعه، طرق تسويقه، أوضاعه الفنية والاقتصادية في ليبيا

الدكتور محمد أحمد\ خبير اقتصادي

الجزء الأولى.

هناك خلط كبير في فهم موضوع هذا المورد وكيفية استغلاله اقتصاديا. وايضا توجد فجوة معرفية بين المستهلك والفنيين في هذا المجال وهنا أحاول أن أجسر هذه الفجوة ببعض المعلومات والتحليلات الفنية والتي قد تبدو لكثير من الأصدقاء ذوي الخبرة الفنية معلومات بديهية ألا أنها قد تغيب على الكثير من الذين لا يعملون في هذا المجال.

ما يدفعني لهذا القول إدراجات كثيرة لأصدقاء في الصفحة تخلط ما بين أنواع الغاز المختلفة وطرق تسويقها و توزيعها:

مثلا هناك تساؤلات كثيرة عن لماذا نصدر الغاز إلي إيطاليا و عندنا أزمة في أسطوانات الغاز، ولماذا أختفىغاز المدينةمن طرابلس وبنغازي، وإلي متى ستسمر أزمة توزيع الغاز وماهي أوجه استغلال الغاز في ليبيا أبدأ هنا بالتفريق بين نوعين من الغاز والذي كثير من المستهلكين يخلطوا بينهما أو يعتقدوا أنهم نوع واحد. هذا التفريق ضروري للتمييز بين كيفية تسويق والاستعمالات التي يدخل فيها كل نوع من أنواع الغاز.

النوعين هما:

  • الغاز الطبيعي سواء كان في الحالة الغازية أو الحالة السائلة
  • غاز البترول المصنع المسال

وتجدون التقسيم في الرسم الأول، ويمكن تناول تفاصيل كل نوع كما يلي:

الغاز الطبيعي التركيب والمحتوى الحراري للغاز الطبيعي هو مركب هيدروكربوني يوجد في الطبيعة في حقول مغلقة أما مصاحبا للنفط أو في حقول مفصولة. الغاز الذي يوجد مع النفط الخام يسمى الغاز الطبيعي المصاحب وهذا في حالات كثيرة يحرق بسبب عدم جدوى تجميعه وضخه لمراكز الاستهلاك ويستغل منه كميات محدودة أما أن تكون كمياتها كبيرة ومبررة اقتصاديا أو أنها تكون قريبة لممر أنابيب لنقل الغاز من حقول أخرى. ويمكن مراجعة الرسم الثاني حول التركيب الكيميائي للغاز الطبيعي حيث أنه يتكون غالبا من غازي ميثان بنسبة 90% وغاز إيثان بنسبة 10%. وعموما فأن المحتوى الحراري للغاز الطبيعي أقل المحتويات الحرارية للمركبات الهيدروكربونية الأخرى حيث يحوي 38 ميجا جول/متر مكعب وهو أقل مثلا من محتوى غاز البترول المسال كما سنرى لاحقا. هذا يتيح استغلال الغاز الطبيعي مباشرة معظم الوقت بدون معالجة لتخفيض مستواه الحراري كما يحدث مع غاز البترول المسال. طبيعيا فأن هذا يرجع إلي انخفاض المحتوى الكربوني فيه والذي يقلل إلي أقل حد من الهدر المصاحب للاحتراق ومن ثم فهو أقل أنواع الوقود تلويثا للبيئة، حيث أن نسبة انبعاثات غاز اول وثاني أكسيد الكربون من عملية حرق الغاز للحصول على الطاقة هي أقل ب 75% مثلا من حرق الفحم و 40% من حرق الديزل.

التسويق والتوزيع للغاز الطبيعي التركيب الكيماوي للغاز الطبيعي وكثافته تحتم طريقة نقله وتوزيعه، فعكسا للتوقعات السائدة فأن الغاز الطبيعي لا يمكن وضعه في أسطوانة غاز الطهي كما يعتقد الكثيرين، الغاز الطبيعي ينقل من حقول الإنتاج بكميات كبيرة بعد تجميعه بواسطة خطوط الأنابيب في الحالة الغازية إلي معامل الفصل التي تفصل عنه ما يسمى بسوائل الغاز الطبيعي و المكثفات وهي تبدأ من غاز البترول المسال كما سنبين لاحقا إلي المكثفات والديزل أحيانا.

بمجرد فصل الغاز الطبيعي فأن على المشغل نقله أما لنقطة استهلاكه مباشرة عن طريق الأنابيب أو لتسييله استعدادا لتصديره لنقطة الاستهلاك أن كانت بعيدة عليه.

هذا يترتب عليه نتائج هامة على مستوى التسويق: بناء خطوط أنابيب توصل الغاز مباشرة ألي نقطة استهلاكه إذ لم يتوفر مصانع إسالة الغاز بناء خطوط الأنابيب هذه مكلف جدا وصلت التكلفة في الولايات المتحدة الامريكية إلي 7.5 مليون دولار للميل، و هناك بعض التقديرات تشير إلي أن في الشرق الأوسط فأن التكلفة قد تصل إلي 14 مليون دولار للميل

الأنبوب الواصل إلي نقطة الاستهلاك يجب أن يسمح للغاز أما بالعودة (عكس أتجاه الغاز في حال توقف الاستهلاك مثلا محطة توليد كهرباء) أو سيتم حرق الغاز وهذا يزيد في التكلفة عادة فأن المستهلكين الكبار كمحطات توليد الطاقة ومصانع البتروكيماويات يمكنها أستلام كميات كبيرة من الغاز الطبيعي بدون الحاجة إلي تخفيف ضغطه، لذا فأنها تودج قبل بوابات المدن

بسبب الضغط الكبير الذي يتم به ضخ الغاز فأن هناك ما يسمى ببوابة المدن وهي مضخات معاكسة تخفف من الضغط للتوزيع المباشر في المدن وهو ما يزيد تكلفة النقل وفقا للحقائق أعلاه فأن تسويق الغاز الطبيعي يحتاج إلي أما لمصانع كبيرة مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية أو مصانع البتروكيماويات أو مدن كبيرة فيها عدد سكان كبير ونشاط تجاري واسع لسحب كميات من الغاز. بدون ذلك فأنه لن يوجد مبرر للاستثمار.

هنا دعوني أعطي مثلا بدون ذكر أسماء، مدينة ما في الصحراء تحتاج إلي محطة توليد كهرباء، لنفترض أن بعدها عن مصدر الغاز الطبيعي 60 ميلا، والقرار هنا هل يتم تزويدها أما بالغاز الطبيعي أو بالوقود السائل، من ناحية اقتصادية فأن تمديد خط أنابيب لهذه المدينة سيكلف تقريبا 840 مليون دولار هذا كتكلفة رأسمالية فقط يمكن في هذه الحالة أما أن تقرر السلطة التنفيذية بناء هذا الخط كدعم من الميزانية حيث أن استرداد هذه التكلفة اقتصاديا ستكون صعبة جدا و بفرض أسعار عالية على الغاز الطبيعي قد تصل إلي 6 دولار ما سيرفع أيضا تكلفة توليد الكهرباء أو يتم تزويدها بأي نوع من الوقود السائل والذي سيكلف أقل بكثير من هذا المبلغ.

هنا يمكن القولأن محطات توليد الكهرباء المعتمدة على الغاز الطبيعي في ليبيا أما أن تكون على نفس الخط الذي يتم تصدير الغاز به إلي أسواق التصدير (وهي إيطاليا في هذه الحالة) الأكثر أدرار للمال بسبب ارتفاع سعر تعاقد الغاز معها مما يبرر التكلفة الرأسمالية العالية التي ستوضع بها.

أنه ينبغي أن ننسى تعبئة الغاز الطبيعي في أسطوانات صغيرة تأخذها معك إلي البيت لأنه غير ممكن عمليا فالتعبئة هي كما سنوضح لاحقا للغاز البترولي المسال المصنع و هو يختلف في تركيبته الكيمائية و محتواه الحراري عن الغاز الطبيعي

أن السوق الليبي سوق صغير جدا بالنسبة لاستغلال الغاز الطبيعي وأكبر استغلال له حاليا أما الحقن بهدف رفع مستويات أنتاج النفط الخام، أو بعض الصناعات الكبرى مثل البتروكيماويات أو الحديد والصلب يمكن جزئيا تزويد المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي بكميات من الغاز الطبيعي والتي بالفعل يمر بها أو قربها أنابيب موصلة للغاز الطبيعي كما أن فيها نسبة استهلاك تسمح جزئيا بتشغيل بوابة مدن لتخفيف الضغط، و يبقى موضوع السعر عائقا حيث أن تكلفة الغاز لو حسب بالسعر العالمي أو حتى بتكلفته ستكون أكبر من تكلفة أسطوانة الغاز المدعومة حاليا و هو ما سنناقشه عند التطرق إلي تسعيير غاز البترول المسال الصناعي.

اترك ردا

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.