حرمان الأطفال من التعلم وتوجههم لسوق العمل
ولد يزن في أسرة متوسطة الحال تتكون من (6) أشخاص الأب والأم و بنتين و ولدين، و هو أكبر اخوته الثلاثة.
و يسكنون في أحد أحياء طرابلس الشعبية التي تعتبر عمل الأطفال شيء عادي بل و يجب أن يكون حتى يتعلم الطفل معنى تحمل المسؤولية و هو صغيرا و ما أن يصل عمره (20) عاما يكون قد أصبح رجلا صاحب خبرة و مال و لا يحتاج لأحد في تكوين نفسه وفتح بيت زوجية بعرق جبينه.
هذه الكلمات كان يسمعها “يزن” كثيرا من المسنين و أبناء الجيران، فكان يرد عليهم بقوله: “العمل يكون بعد الحصول على الشهادة العلمية، أما الآن فيجب أن أدرس واتحصل على درجات عالية لاتمكن من دخول الجامعة”.
حينها كان “يزن” يدرس في الصف السادس إبتدائي ومن المتفوقين في دراسته ودائما يتحصل على الترتيب الأول أو الثاني على مستوى الفصل.
السنة الماضية (2019) أجبرت الحرب سكان تلك المنطقة على النزوح الكامل من منازلهم بعد أن لحقتهم الصواريخ العشوائية و قتلت من قتلت ودمرت ما دمرت من ممتلكات عامة وخاصة، و لم يكن حال أسرة يزن بأفضل من حال جيرانها، فقد كان لها نصيب من القصف المفاجيء ليلا و نهارا، قصفا ترك أثرا على نفسية وسلوكيات كل الأسرة من عصبية و خوف شبه متلازم و توتر وقلق.
في البدء إنتقلت الأسرة إلى بيت أحد أقاربهم كحل مؤقت إلى أن تضع الحرب اوزارها و لعلها قريبا كما كانوا يتوقعون، و لكن طول المدة قلبت كل الموازين ليس على مستوى الأسر و الأشخاص بل حتى على مستوى الدولة.
تم إيقاف الدراسة و إقفال المدارس التي لحقها القصف، و الأخرى تحولت إلى مآوى للنازحين و منها مدرسة (الحياة) التي يدرس فيها يزن و تحولت إلى مآوى له و لاسرته وكثير من الأسر.
مرت (4) أشهر والحال يسير نحو الأسوأ و المجهول ،و حرصا على نفسية أطفاله قرر والد “يزن” الخروج ب أسرته واستئجار سكن مستقل، و عن طريق أحد الأصدقاء تحصل على سكن بايجار (700) دينار بمساحة 60 متر يتكون من غرفتين ومطبخ ودورة مياه ، لا فرش فيه ولا أدوات مطبخ ، ومن شروط صاحب السكن دفع (3) أشهر مقدما فما كان من الأب إلا بيع سيارته الوحيدة ودفع المبلغ المطلوب و شراء ما يلزمهم من تموين وإمكانيات ضرورية.
مرت الأشهر ال(3) وطالت مدة الحرب و النزوح و دفع الإيجار، كان “يزن” يراقب والده و هو يعمل ليلا ونهارا ليوفر لهم طعامهم و شرابهم و إيجار السكن، حتى فقد الكثير من صحته و لم يعد قادرا على ما كان يوفره، فاضطر لإلغاء بعض من المواد الغذائية عندما رفض صاحب السكن تخفيف سعر الإيجار.
لم يستطع “يزن” تحمل رؤية والده بهذا التعب والإرهاق الجسدي و النفسي و فكر في دخول سوق العمل خاصة وأن الدراسة متوقفة ولا شيء يشير إلى استئنافها قريبا.. وحدث أمه بالأمر فرفضت الإستماع إلى بقية كلماته وعللت رفضها لأنه مازال صغير عن هذا ولن تقبل به مهما كانت مبرراته، و كذلك كان رأي والده.
ذات صباح كان والد “يزن” متوجهها للعمل فسقط فاقدا للوعي وسارع فاعل خير بنقله لأقرب مركز صحي وهناك قال الطبيب أنه أصيب بجلطة نتيجة إرتفاع في الضغط وعدم التزامه بأخذ الدواء، مضت 10 أيام لم يطرق أحد باب الاسرة سألا عن الحال و الأحوال، فقرر “يزن” البحث عن عمل، و نجح في الحصول على عمل (غسل صحون) في أحد المقاهي من 8 صباحا الى 8 مساء مقابل 20 دينار يوميا، وباشر في حينه واستمر على ذلك الحال لأكثر من شهرين، حتى بعد أن قررت وزارة التعليم استئناف الدراسة لم يفرح بهذا القرار الذي كان ينتظره على أحر من الجمر لأنه اشتاق لكتبه و فصله و زملائه، بل مر القرار مرور الكرام .. لم يذهب لأي مكان من الاماكن التي خصصتها وزارة التعليم لإستكمال المنهج الدراسي و لم يتابع الدروس التي يتم شرحها عبر القنوات المرئية ولم يجد ما يشجعه على ذلك و هو التلميذ المجتهد النجيب.. وعندما تحددت مواعيد الإمتحانات وتحت إلحاح أمه وافق “يزن” على دخولها وفاء لوعده لها.
كانت كل الأحلام بدخول كلية الهندسة والتخصص في مجال الطيران، قد تبخرت و تبعثرت كما تبعثرت كتبه وكتب شقيقه وشقيقتيه في ليلة القصف العشوائي و خرجت تلك الأحلام من قاموسه و دخل مكانها الحلم بالحصول على عمل آخر بمقابل يزيد على هذا ولو بقيمة 10 دينار، لأن هذا يعني حصوله شهريا على 900 دينار بذلك يستطيع دفع 700 إيجار و 200 يشتري بها ما يسد رمق أسرته، وهجر “يزن” حلمه العلمي وكرّس جهده الفكري والجسدي في العمل من جهة والبحث عن بديل أو ما يزيد الدخل من جهة أخرى.
هذه القصة من ضمن سلسلة تقارير بعنوان “تقارير من أجل التغيير”
“تم انتاج هذه القصة بدعم من الإتحاد الأوروبي ضمن مشروع ” أصوات من أجل التغير” بالشراكة مع معهد صحافة الحرب و السلام و محتوياته هي مسؤولية شبكة اصوات ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر الإتحاد الأوروبي”
#شبكة_أصوات_للإعلام
#صحيفة_أصوات
www.aswat.ly